ظلم كبير للمرأة في سوق العمل المحلي - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


ظلم كبير للمرأة في سوق العمل المحلي
جولاني – 10\12\2012
قد يقول الكثيرون أن المرأة في مجتمعنا الجولاني قد حصلت على حقوها، وتخوض غمار الحياة مثلها مثل الرجل، بل أنها قد تفوقت عليه في الكثير من المجالات، ولكن الحقيقة أنها لا زالت تلاقي ظلماً كبيراً في سوق العمل المحلي، حيث تتلقى أجراً بخساً مقابل ساعات طويلة من العمل.

ولا يُبَرّر الظلم الذي تلاقيه المرأة العاملة من قبل أرباب العمل في مجتمعنا إلا بالجشع واستغلال حاجة المرأة للعمل، وإلا كيف يفسر أن تتلقى في بعض الأماكن 8  شيكل للساعة، في الوقت الذي حدد فيه الحد الأدنى للأجور بـ 23 شيكل و11 أغورة.

قد يكون أهم التغيرات التي حدثت في مجتمعنا هو خروج المرأة للعمل وتحررها اقتصادياً من هيمنة الرجل، وقد أتى ذلك ضمن سلسلة تغييرات عميقة في المجتمع، تداخلت فيها عدة أسباب، بينها الوعي المجتمعي لدى شريحة واسعة من الناس، الذي منح المرأة حرية التعليم العالي مطلع الثمانينات من القرن الماضي، فزاد عدد الطالبات الجامعيات في بعض المراحل على عدد الطلاب، وهو ما جرّ خلفه الكثير من الحقوق التي نالتها، بفضل وعيها ومثابرتها، والاحترام الذي فرضته على المجتمع، فمنحها في المقابل الثقة التامة لتكون نداً للرجل ونصف المجتمع الفاعل فيه بحق. ولا يخلو الأمر بالطبع من خروقات هنا وهناك، ولكنها تبقى حالات شاذة، خاصة وأن القانون يحمي المرأة من اضطهاد الرجل لها، إذا لم تمنعه أخلاقه وسولت له نفسه بالاعتداء عليها بأي طريقة كانت.

تقول السيدة (أ)، التي فضلت عدم ذكر اسمها، والتي تعمل في أحد المحال التجارية في مجدل شمس، أنها تتلقى أجراً شهرياً مقطوعاً قدره 1500 شيكل، وهي تعمل ثماني ساعات يومياً، خمسة أيام في الأسبوع. وبحساب بسيط يتبين أنها تتلقى قرابة تسعة شواقل للساعة الواحدة، وهو أجر تافه مقابل التعب والجهد الذي تبذله خلال عملها.
وعند سؤالها عن سبب استمرارها في العمل تقول:
مثلي مثل الكثير من النساء، قد لا تكون الحاجة إلى المال هي السبب الوحيد وراء خروجنا إلى العمل، بل هي الرغبة بأن نكون أعضاء كاملين في هذا المجتمع، فأولادي خلا النهار في المدرسة، وليس لدي ما أفعله، وأفضل أن أخرج إلى العمل لأختلط بالناس على أن أقضي الوقت بشرب المتة وتبادل الإشاعات والأقاويل مع بعض النسوة، أو مشاهدة المسلسلات التركية التي أصبحت عادة شائعة بين نسائنا اليوم.
وتضيف (أ):
أمورنا المالية لا بأس بها، نحن لسنا أغنياء ولكن زوجي يعمل بكد لتأمين احتياجات المنزل ومتطلبات الأولاد، وهي كثيرة جداً في هذه الأيام، وأعتقد أنه من واجبي أيضاً المساهمة في دخل إضافي، وهذا يعطيني شعور بالرضا عن نفسي وبأني لست عالة على زوجي ومجتمعي.
وإذا ما كانت طالبت رب العمل بزيادة أجرها، قالت (أ):
نعم طلبت قبل فترة من صاحب العمل أن يزيد الأجر، فكان جوابه أن هذا ما يستطيع دفعه، وإذا تذمرت أكثر فإن هناك الكثيرات ممن يرغب في العمل مكاني، فسكت ولم أعاود الطلب منذ ذلك الحين.

أحد أرباب العمل، الذي فضل عدم ذكر اسمه أيضاً، دافع عن نفسه وعن زملائه قائلاً:
مصالحنا ليست بأحسن حال، والدخل الذي نحصل عليه لا يخولنا دفع مرتبات عالية للعاملات لدينا، ونحن لا نجبر أحد على العمل، من تريد أن تعمل بهذا الأجر فأهلاً وسهلاً، ومن لا تريد فلتذهب وتبحث عن عمل آخر.

كثيرات ممن تحدثن إليهن رفضن الحديث بالعلن عن هذه المشكلة، وبالرغم من تذمرهن أمامنا من الواقع المر والإجحاف بحقهن، إلا أنهن رفضن أن نقتبس كلامهن في تقريرنا هذا، وذلك خوفاً من أن يتعرضن للفصل من قبل صاحب العمل، فأماكن العمل في منطقتنا محدودة جداً وهن بحاجة للعمل، حتى ولو بأجر قليل.

من بين القليلات اللواتي رغبن بالحديث إلينا كانت الآنسة (ل)، شرط أن لا نذكر اسمها الصريح، وذلك لنفس الأسباب التي ذكرناها.
سألنا (ل) ما الذي يدفعها للقبول بأجر زهيد، وهي غير متزوجة ولا تزال تعيش في بيت أهلها، فكان جوابها ملفتاً للنظر:
أنا أعمل لأن على الإنسان أن يعمل وأن لا يكون عالة على المجتمع. أنهيت دراستي الثانوية العام الماضي وأستعد لدخول الجامعة، وحالياً ليس هناك ما يشغل وقتي فأستغل هذه الأشهر لأجمع بعض المال أساهم فيه بمصاريف التعليم. والدي متكفل بتكاليف التعليم، وهذا أمر جيد، ولكن علي أيضاً المساهمة. ثم أني أحتاج إلى مصروف يومي، فعادة ما نلتقي مع الأصدقاء والصديقات في مقهى أو مطعم لقضاء بعض الوقت الممتع، فمن غير المعقول أن أطلب من والدي هذه المصاريف، يكفيه ما عليه من التزامات في البيت.
وتضيف (ل):
بحثت كثيراً حتى وجدت هذا العمل. أحمد الله على ذلك، إذ من الصعب أن تجد الفتاة عمل في بلدتنا، ومع أن الأجر الذي يدفع لي قليل، إلا أنه يبقى أفضل من أن أكون عاطلة عن العمل، فهذا أفضل بكثير من الجلوس في البيت.

جميع الفتيات والسيدات اللواتي تحدثنا معهن قلن أنهن لا يحصلن على ضمانا في العمل أو على مخصصات الشيخوخة والتأمينات التي ينص عليها القانون، واتضح لنا أن هذا أمر ينطبق على الأغلبية الساحقة من أرباب العمل الذين يشغـّلون في مصالحهم السيدات، فهي سوق سوداء، لا تمنح فيها العاملة أي أوراق رسمية تثبت أنها تعمل (תלוש משכורת)، ولا تـُدفع عنها الضرائب، وهذا ما يتسبب للعاملات بإشكالات مستقبلية مع مصلحة الضرائب، التي ستطلب منهن دفع الحد الأدنى من الضرائب التي يفرضها القانون حتى على الأشخاص غير العاملين، وهذه الضرائب تتراكم شهرياً، حيث تفاجأ العاملات بعد عدة سنوات بمطالبة مصلحة الضرائب لهن بتسديد هذه المبالغ.

وللاستفسار عن هذه النقطة، توجهنا لبعض مكاتب إدارة الحسابات، فلم يرغب أي من أصحابها بالحديث عن ذلك علنا، خوفاً من أن يعتبر زبائنهم ذلك تحريضاً ضدهم، أو أنهم متعاونون مع سلطات الضرائب. ولكنه تسنى لنا من خلال الأحاديث الشخصية فهم ما يلي:
من الناحية الضريبية يخطئ أصحاب المصالح في عدم التصريح عن العاملين لديهم، فذلك يحرمهم من حقوقهم الأساسية في التأمين الصحي ومخصصات التقاعد، في الوقت الذي يمكن لصاحب المصلحة فعل ذلك بتكاليف لا تتجاوز مئتين إلى ثلاث مئة شيكل في الشهر للعامل، مع العلم أنه يسترجع هذا المبلغ من الخصم الضريبي، حيث يعتبر الأجر المدفوع للعامل مصروفات مباشرة تخصم من مرابح المصلحة. بمعنى آخر أن المبالغ التي يتكلفها صاحب المصلحة يوفرها في ضريبة الدخل، ومن ناحية عملية هو لا يخسر شيئا، بل على العكس يربح، لأن مصاريف العمال هي أكبر المصاريف التي يمكن أن تحسب لصاحب المصلحة، وهو في نهاية المطاف يدفع هذه الضرائب.

وفي الختام ما يمكن قوله أن القضية تبقى قضية أخلاقية بالنسبة لأصحاب المصالح، وعليهم تحكيم ضمائرهم في تعاملهم مع العاملات، وإعطائهم حقهم بطريقة عادلة تحفظ لصاحب المصلحة مربحه المعقول، دون أن يستغل العاملة لديه بطريقة لا يقبلها هو لزوجته أو ابنته أخته.